الخميس، 10 نوفمبر 2016

دعشنة الأطفال

خالد العماري
@ammarikh
24-12-1437هـ


كتبت مقالاً قبل قرابة عقد من الزمان بعنوان "هيا نقطع رأس النونو!" وهي جملة لطفلةٍ صغيرة لم تتجاوز الرابعة من عمرها تخاطب أمها التي أنجبت طفلةً أخرى من أيام.

وكان المقال يتحدث عن العنف الذي يُقدم للأطفال في بيوتنا وبإرادتنا ! كان عن صور ونماذج العنف في بعض قنوات الأطفال، ومن صور العنف التي كانت تشكل مادة هذه القنوات ولازالت : السرقة والضرب واللكم واللطم والطعن والحرق والشنق وحمل السلاح والتفجير والتدمير والقنص والاعتداء على الأشخاص والممتلكات والسحر والعصبية والقتل و القتل الجماعي وتدمير المباني والمنشئات و تدمير الأرض والتدمير الكوني الشامل ! بل والتخطيط لذلك، والتنافس فيه !!

كل ذلك يظهر في مصطلحات لطيفة، وأصوات منغمة، وحركات وإيماءات وأزياء ومظاهر ورسومات وصور متحركة، في مظهرٍ ممتع وغاية في التشويق للأطفال.

وهانحن اليوم نقترب من العنف أكثر، ويقترب منا أكثر، عن طريق " التطبيقات الجوالة " والألعاب والأجهزة الذكية التي نقلت المسألة من مشاهدة العنف إلى التفاعل مع العنف والعيش معه بخصوصية تامة أو شبه تامة.

وفي ظني لولا أن المسألة فيها بعبع " داعش" لما تحدثنا اليوم عن صور العنف التي كنا ولازلنا نهيئ أدواتها وقنواتها لأطفالنا وفي بيوتنا.

لاشك أن الطفل يولد خالي الذهن من المعلومات والمفاهيم لا من الفطرة والمعارف الأولية " والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً " " كل مولودٍ يولد على الفطرة .. "، فيتلقى كل يوم معلومات ومفاهيم جديدة، من والديه بالذات لقوة ارتباطه بهما، ومن محيط البيت، ثم المحيط الاجتماعي، وذلك من الولادة وحتى الرابعة في العمر، ثم بعد الرابعة إلى السادسة يدخل مؤثر من نوع أقوى وأحب وهو محيط "رياض الأطفال"، ثم بعد السابعة يبدأ دور المدرسة والأصدقاء ثم الشارع والحي وغيرها.

وإذا كان هذا التراكم في سنين الطفولة من الولادة وحتى البلوغ بهذا التكامل في أدوار الأشخاص المربين من الوالدين وحتى رجل الشارع، وهذا التتابع في بيئات ومحاضن التربية من البيت وحتى المدرسة، إذا كان هذا كله لاقيمة له في تعزيز الفطرة وترسيخ مفاهيم الحب والسلام والإسلام أمام لعبة عنفٍ أو شاتٍ مع داعشي أو موقف نزوة وجنوح فوالله إنها الكارثة !

لاننكر خطر داعش وكل هيئات وصور العنف المبرمج، ولاندعي بعد أبناءنا عنها، ولانزايد على سبب العنف والجنوح والغلو والتطرف، ولكننا يجب ألا نبرئ أنفسنا من التقصير، ونحن عمود تنشئة الأطفال وركنها الأساس، وقديماً قالت العرب "إنك لاتجني من الشوك العنب" !.

إن ما يمارس على الأطفال والأهالي في مناطق الصراع هو استثناء، ولذا يجب على العالم كله الذي يمنع تشغيل الأطفال دون السن القانونية ويمنع والديهم من معاقبتهم يجب أن يبرهن على سلامة مذهبه تجاه جهودٍ منظمة لصناعة الإرهاب في أخطر مرحلة عمرية يعيشها الإنسان –مرحلة الطفولة-، كما يجب على المناطق المجاورة للصراع والبعيدة عنه ألا تسمح للإرهاب أن يخلو بأطفالهم وفلذات أكبادهم.

إن الطفل الذي يعيش الرحمة حقيقةً لا يمكن أن ينتقل لعذاب وأوهام داعش فجأةً وبدون سابق إنذار، وإلا اختل نظام الكون وضاعت السنن الربانية وماعاد للعقول ثقةٌ في سببٍ تبذله ولا توكلٍ تعتقده !

لانظن أن تنشئة الطفل الآمنة هي أن يبقى هادئاً في البيت أمام شاشة التلفاز أو ساكناً لساعاتٍ مع البلايستيشن أو الآيباد 

التنشئة الآمنة أن يظل متحركاً أمام عينك، مشاغباً كالأطفال، حيوياً مع من يحيط به، لا أسرار لديه إلا البراءة، ولا كذب عنده إلا المكشوف، ولا مكر يحسنه إلا لأجل لعبةٍ أو حلوى أو لهوٍ غير مؤقت مع الأصحاب.

التنشئة الآمنة أن تعيش كل الفصول مع طفلك، يضحكك ويبكيك، يغضبك ويرضيك، يمشي على مزاجك مرة ويعكس السير مرات.
وأخيراً : راجعوا علاقتكم بأطفالكم قبل أن تقطعوا علاقتهم بهذه الأجهزة .

حمى الله أوطاننا وبيوتنا وذرياتنا مما يغضبه سبحانه ويخالف دينه وشرعه وأمنه وسلامه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق