الاثنين، 5 ديسمبر 2016

جنودنا وأطفالنا والبطولة !


خالد العماري
@ammarikh


كان آخر إنتاج المبدع الياباني  "ميازاكي هاياو"، -أشهر أساتذة الرسوم المتحركة اليابانية "الإنمي" والملقب بملك الإخراج وأسطورة التحريك- صاحب المسلسلين الضاربين في العمق العالمي "مغامرات عدنان ولينا" و"كونان فتى المستقبل"، كان آخر إنتاجه فلم الإنمي " الريح تعلو" 2013 عن طياري الكاميكازي، ودورهم في الحرب العالمية الثانية، والذين خَلّدَ اليابانيون ذكرهم في أعمالٍ كثيرة منها: متحف السلام الذي جسد القصة بكاملها في المكان، وفي الأذهان، والذي يزوره الصغار قبل الكبار، ويتعرفون على التاريخ كما هو وإن كان حرباً وناراً، وينقلهم للحديث عن المستقبل، وكيف نحمي أنفسنا والعالم من ويلات الحروب؟ وهم يسمعون من العارضين عبارة "استشهد هؤلاء الأبطال، وشهادتهم هي ثمن سلام أجيال اليوم".
وبالرغم من آراء الكبار واختلاف نظرتهم لفيلم "الريح تعلو" وهل هو تعميق لذهنية الحرب في نفوس الأجيال، أو تعزيز للروح والذات والتاريخ والانتماء، إلا أن الجميع يدين بالعرفان للكاميكازي، وينقلون تجربتهم في الدفاع عن أمتهم للأجيال اليابانية وغير اليابانية مما يشعرهم بالحق في الدفاع عن أنفسهم وأوطانهم بكل فخرٍ واعتزاز.
لازالت رموز "الكاميكازي" و"الساموراي" و"السوبرمان" و"الأبطال الخارقون" وغيرهم من رموز البطولة التي خلدتها أفلام الكرتون، لازالت عالقةً في أذهاننا، ولازالت هذه الأفلام - التي يهيمن عليها الإنتاج الأمريكي في الغرب، والياباني في الشرق- لازالت تحفر في أذهان الصغار والأجيال القادمة البطولةَ اسماً، ورمزاً، وهويةً، بل ومزاجاً !
وفي المقابل : نخوض حرباً على مستوى الأمة في فلسطين المحتلة مع عدوٍ بين ظاهر العداوة، أخرَجَنَا من ديارنا وأموالنا، منذ سبعة عقود، وحروبَ أخرى في العراق وسوريا واليمن، كلها مع أعداء ظاهرين يريدون احتلال أرضنا، وتبديل هُويتنا، ونهب ثرواتنا، ويستميت في الدفاع عن الأمة وعن الأوطان رجالٌ، ونساءٌ، ودولٌ، وتحالفات عربيةٌ وإسلامية، ومع ذلك كله لا تُسطر البطولة للأجيال! ولا يُخلدُ الدفاع عن الدين، والعقل، والنفس، والعرض، والمال، في قصص وحكايات وأدب الناشئة والشباب، ولا يُقدَّم كل هذا في أحاديث الإيمان، ولا أناشيد الأوطان للأحرار على مستوى العالم كما يجب!
يقينناً أننا لانعاني من شح الأموال، ولا جَدْب الأفكار، ولا عُقْم التاريخ، ولا بلادة العقول، حتى لا نستطيع التعبيرَ عن ذاتنا وبطولاتنا وحقوقنا وحرياتنا، وحكاية شيءٍ من واقعنا بما يُخَلِدُ سيرة جنودنا وأوطاننا، وينقلنا لمستقبل آمنٍ وقوي !
إني أشك في فهمنا للبطولة والشجاعة والكفاح وغيرها من المصطلحات التي أفسدها علينا المتطرفون!
نعم أفسدها علينا المتطرفون؛ افسدوها علينا بعد أن فرّطنا فيها، فقد تركنا البطولةَ مبهمةً حتى أبانتها "داعش" بكل ما لديها من حمولة تدميرية وعبثية، وأهملنا تفسير الجهاد والكفاح والنضال وحماية الأوطان والأديان حتى فسرتها المليشيات الخامنئية في لبنان وسوريا والعراق واليمن بكل ما لديها من أحقاد وطائفية وأطماع ثورية استعمارية.
ليست البطولة غَلَبَةً بقدر ما هي تضحية، وليست البطولة مادةً بقدر ما هي روح، وليست البطولة بطشاً بقدر ما هي رحمة، ليست البطولة رمياً بقدر ما هي إيمان، ليست البطولة موتاً بقدر ما هي حياة، ليست البطولة قتلاً بقدر ماهي جهاد للعدو المعتدي!
إن البطولات يا سادة تُصنع في الرؤى والأفكار وأحلام الصغار أولاً، حتى إذا اختلطت بنفوسهم وأفكارهم وأشعارهم ومبادئهم وقيمهم استطعنا بعد ذلك أن نرى أبطالاً في كل ميدان من ميادين رفعة الأوطان، ونصرة الإيمان، والسلام والإسلام، والقوة والعزة، وهداية العالمين.
كلنا نعلم الفرق بين الدين والأيديولوجيا، وبين الأمة والطائفة، وبين الدولة والميليشيا، وبين النظام والعبثية، وبين السلام والاستسلام، وبين الاستقرار والفوضى، وبين الحضارة والهمجية، وبين البناء والتدمير، وبين البطولة والتطبيل، ولكن ياتُرى كيف نشرح كل هذا للأطفال؟!
نحنُ لسنا مع أدلجة أدب وقصص وثقافة الأطفال، لكننا لسنا مع نزعها من ظرفها التاريخي المرتبط بدينها وهويتها ووطنها، وحقائق التاريخ وإرهاصات المستقبل!
فرٌق بين ماصنعه "ميازاكي هاياو" في تخليد حق اليابان في الدفاع عن نفسها في فيلم "الريح تعلو" وبين هتلر عندما ضمّ إلي مستعمراته هولندا – التي كانت تشهد ازدهاراً في فن الكوميكس - وأدخل السياسة في الاجتماع والفنون، وطغت الأيديولوجيا النازية حتى على الكاريكاتير وأدب الأطفال!
فرقٌ بين نساء سوريا اللاتي أعدنَ تعريف الإيمان بالله، والتوكل عليه، وأرضعنه لأطفالهن بأصدق وأعظم عبارة : "مالنا غيرك يا الله"، وبين كُتّاب أدب الأطفال الإسرائيلي الذي صنع في الأجيال واقعاً غير الواقع، وحقيقةً غير الحقيقة، بل تدخل في الماضي وحرّفه، وفي الفطرة واجتالها كما تفعل الشياطين!
          لماذا ياسادة نجد أطفالنا اليوم في العالم العربي والإسلامي على طوله وعرضه لا صُنّاعَ لخيالهم ولا راعيَ لأحلامهم إلا شركات الكرتون الأجنبية، فلا كاميكازي إسلامي، ولاسوبرمان عربي !
أقول هذا وأنا على صلةٍ ببعض منتجي أفلام الكرتون العربي والإسلامي، وأقوله وأنا أستحضر بعض القصص والأفلام هنا وهناك التي تمثل الذات، ولكن حتى هذه اللحظة لم نستطع تقديم ثقافتنا وبطولتنا كما هي بدون تسمين، وبدون شفط أوتكميم.
          تخوض السعودية ومن معها من دول الخليج والدول العربية والإسلامية اليوم قتالاً شريفاً، ونضالاً بطولياً في حماية بلدان المسلمين من عبثية وتطرف وتمدد الفكر الخامنئي الثوري، وتخوض الشعوب المسلمة قبل ذلك في العراق وسوريا وفلسطين واليمن وغيرها من بلدان المسلمين صولات وجولات في الدفاع عن أنفسهم وعن أمتهم، وأياً كان تقييم النُخب لهذا النضال إلا أننا يجب أن نحدّث الأجيال عن الحق والباطل، والذات والآخر، والأمة والعدو، والقصعة وأَكَلَتِها، والشهداء والقتلة، والصامدون والخونة، والسلام والاستسلام، والإيمان والتحريف، يجب أن نحدثهم عن شرف الدفاع عن الإيمان والأوطان، وعن بطولة المؤمنين والجنود المجاهدين، وأن نعزز لديهم أخلاق السلم والحرب، وليس لدينا خيار غير ذلك، إلا الذوبان والركون للدعة والمادة والترف، بل الذوبان في العدو الذي ابتلع بعض مجتمعاتنا، ولُعابه يسيل على البعض الآخر، ليس لدينا خيار إما أن نحدثهم عن البطولة الحقيقة التي شملت الأطفال والنساء أو نبقيهم على بطولة ألعاب الفيديو وأفلام الكرتون، إما نحضنهم ونحكي لهم الواقع – بما يناسب اعمارهم وأحوالهم – أو أن ندع خيالهم لأوهام السوبرمان والباتمان والأبطال الخارقون، إما أن نعلمهم الدعاء لإخوانهم المسلمين أو نتركهم بلا إحساس ولامشاعر إيمانية، إما أن نترجم لهم نصرة المظلومين أو أن ندعهم فريسةً للظالمين، إما أن نربيهم على حب الإيمان والأوطان، أو نتركهم لأدعياء الخلافة المزعومة.
          وأتمنى ألا يتحامق أحد ويقول: وكيف نحدث الأطفال عن العنف والحروب والقتل والطائفية والعدوان والإرهاب ؟  وأينكَ يا هذا عن ما تفعله داعش، والحوثيون بالأطفال، بل ماتصنعه ألعاب الفيديو وأفلام الكرتون الأجنبية في عقول أطفالنا من تحويل القتل والاعتداء والدمار إلى ثقافة اعتيادية؟!
 نحن نفرق بين الانسجام مع الظرف التاريخي الذي نمر به، واستثماره لصناعة البطولة الحقة، والوعي بالواجب علينا تجاه الأجيال، وبين منظومة الوهم التي لا تزيد الأطفال إلا خبالاً، والواقع إلا وبالاً، وليتأمل كلٌ منا حاله لو كان طفلاً واستُشهد والده أو أحد أقربائه أو أصدقائه في حربٍ ظالمة، ومن عدوٍ معتدي، ألا يسرنا أن يصور الإعلام ذلك صورتَه الحقيقية، ألا يسره أن يرى من يحب ومن يعرف من هؤلاء الشهداء أبطالاً في قصةٍ رمزية، وفيلمٍ يحكي شرف المدافعة، وكرامة الشهداء ؟!
رغم تقديرنا لبعض الجهود في تخليد ذكرى الأبطال، إلا أن الواجب كبير على الإعلام والمجتمع في إنتاج البطولة شعراً، ونثراً، وقصةً، وصورةً، وفيلماً، وحُلماً، لابد أن تُسطر الأحبار بطولات الأمصار،  لابد أن ترقى الذكريات لمستوى التضحيات، لابد أن يتبرأ الإِعلام من خيانة الأَعلام، بل وأن يكف شره ويزيل ضرره على هوية وعقول الناشئة والشباب.
كم هو المقت الذي يستحقه من يشغل الأَسماع عن سماع صراخ أطفالنا ونسائنا وهم يموتون بالعشرات كل يوم ؟! كم هو الغضب الذي يستحقه من يصرف الأبصار عن مشاهدة وجوه الجنود المرابطين، والأبطال المقاتلين إلى ملاحقة الحسناوات في كل مكان؟! كم هي اللعنة التي يستحقها من يشابه العدو في كل شيء حتى في كرهه لنا والفَتِّ في عضدنا؟!
ويل أمتنا، ويل عروبتنا، ويل أوطاننا، ويل مستقبلنا وأحلامنا، ويلنا إن لم نعِ ونستفق، ونعرف العدو من الصديق، ولم نخرج من ضيق ذواتنا إلى سعة أُمتنا، ومن سلبيتنا إلى معالجة قَدَرِنَا، ومن أوهامنا إلى تثقيف أطفالنا، وتخليد أبطالنا، وصناعة مستقبلنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق